خير ما تقوم به العلاقات بين الناس هي ما شيدت على الثقة والاحترام والمودة؛ تتوجها الروابط الحقيقية بين الأسرة الواحدة وتمتد إلى المجتمع والتعامل المبني على الثقة والاطمئنان من النية الصادقة والنقية والسليمة، وخصوصا بين الأزواج، وكم هي العديد من المشاكل العائلة التي تهدم بنيان البيت لعدم الثقة المتبادلة والتي عصفت بها وسائل التواصل «الخبيثة» وسرقت من لبنات الثقة الكثير واغتالت خصوصية علاقات الثقة في البيت الواحد.
جلست مع صديق عزيز وهو قاض شرعي، تحدثنا في أمور متعددة، كأن أبرزها عدم الثقة بشكل عام، وتلك المتعلقة بحالات الطلاق قبل الدخول نتيجة لعلاقة الثقة والتي تتأثر كثيرا بما تبثه «الموبايلات» من مظاهر مزيفة عن السعادة الزوجية والارتباط، والتي تؤثر سلبيا على التواصل الحقيقي بين المقبلين على الزواج نتيجة «تحكم الموبايل» بعلاقاتهم معا وعند اللقاء، حيث يخلد كل منهما إلى ما يرده وليس ما يريده من إشارات للمستقبل.
المتلازمة الثانية والمهمة والتي تلقي بظلالها على كل ما يميز العلاقات الإنسانية هي الاحترام المتبادل، تبدو الحاجة ماسة للتعامل بين الجميع على أساس ذلك وتجاه الدولة والنظام على وجه الخصوص؛ يلزمنا احترام ما تقدمه الدولة للجميع من خدمات تسعى من خلالها لتعزيز الانتماء والتعاون والاستقرار والازدهار والرخاء؛ جسر الاحترام للدولة هو من أحد ركائز التنمية والتقدم، ولعل الاستهانة بذلك، يؤدي إلى السقوط في براثن الشكوى والتذمر، وعدم الاهتمام بالهم العام والفهم والتقدير المشترك والكفيل بحل أصعب المشاكل وأكثرها تعقيدا ومهما صغرت أو كبرت، من خلال المبادرة والنية لعمل الخير على أكمل صورة.
صور من الاحترام المتبادل بين الكبير والصغير، الغني والفقير، المسؤول والمواطن، الذكر والأنثى، العالم والمتعلم، وروابط منوعة وكثيرة نفتقدها حين تقع أزمة عابرة في الطريق أو في محطة من التعامل، تبدأ «بلو سمحت وتمر بشكرا وتعلوها آسف» وعبارات أخرى من باقات المجاملة المهذبة والترحاب والتواضع والأدب، وتلك ممارسات يمكن أن تطبق بعناء في بداية الأمر، لكنها سوف تتحول إلى عادات حميدة وصفات اجتماعية راقية وجميلة.
يكتمل الجسر بالمودة ويوصل إلى مسافات طويلة وممتدة من الألفة وحسن العشرة والصداقة والاخوة والزمالة والرابطة النقية بين الأطراف كافة، صفة تريح النفس من الخصام والحسد والغيرة والاستحواذ والحقد وأمراض كثيرة.
الجسور التي تبنى بالثقة والاحترام والمودة في المجتمع كفيلة بمعالجة الكثير من الأزمات التي نمر بها سواء بطريقة التعامل والتصرف والمعاندة والإصرار والتعنت عند مواقف قد تغير مجرى العلاقات ومسارها إلى منعطفات خطرة.
بناء الجسور تخصص هندسي واجتماعي كذلك، يركز على أسس السلامة وضمان العبور الأمن من طرف إلى آخر، وكذلك هي الحياة، عبور من عالم إلى آخر ومن دنيا إلى دنيا، يلزمنا العديد قبل وعند وبعد المرور لنشهد حركة إيجابية ومساهمة طيبة خلال مشوار الحياة وارتياد الجسور والتي تربط الجميع معا.
ثقافة الجسور وحل الأزمات من مقومات تجاوز المحطات الصعبة والدقيقة إلى بر الأمان، ولعل من أبسطها عبور جسر التحديات والعقبات الشخصية؛ لا بد من العمل على تمتين جسور علاقات الثقة والاحترام والمودة بين الجميع، ذلك هو جوهر الحل المنشود لإصلاح الطرق المؤدية إلى حياة هنية رضية.